فصل: تفسير الآية رقم (10):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل



.سورة الفرقان:

.تفسير الآيات (1- 2):

{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)}
البركة: كثرة الخير وزيادته. ومنها: {تَبَارَكَ الله} [الأعراف: 54] وفيه معنيان: تزايد خيره، وتكاثر. أو تزايد عن كل شيء وتعالى عنه في صفاته وأفعاله. والفرقان: مصدر فرق بين الشيئين إذا فصل بينهما وسمي به القرآن لفصله بين الحق والباطل. أو لأنه لم ينزل جملة واحدة، ولكن مفروقاً، مفصولاً بين بعضه وبعض في الإنزال. ألا ترى إلى قوله: {وَقُرْءانًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى الناس على مُكْثٍ ونزلناه تَنْزِيلاً} [الإسراء: 106] وقد جاء الفرق بمعناه. قال:
وَمُشْرِكَيّ كَافِرٌ بِالْفَرْقِ

وعن ابن الزبير رضي الله عنه: على عباده، وهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمّته، كما قال: {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ} [الأنبياء: 10]، {قُولُواْ ءامَنَّا بالله وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136]. والضمير في {لِيَكُونَ} لعبده أو للفرقان. ويعضد رجوعه إلى الفرقان قراءة ابن الزبير {للعالمين} للجنّ والإنس {نَذِيراً} منذراً أي مخوّفاً أو إنذاراً، كالنكير بمعنى الإنكار. ومنه قوله تعالى: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ} [القمر: 16، 18، 21، 30] {الذى لَهُ} رفع على الإبدال من الذي نزل أو رفع على المدح، أو نصب عليه.
فإن قلت: كيف جاز الفصل بين البدل والمبدل منه؟ قلت: ما فصل بينهما بشيء؛ لأنّ المبدل منه صلته نزل. و {ليكون} تعليل له، فكأنّ المبدل منه لم يتمّ إلاّ به.
فإن قلت: في الخلق معنى التقدير، فما معنى قوله: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْء فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} كأنه قال: وقدّر كل شيء فقدّره؟ قلت: المعنى أنه أحدث كل شيء إحداثاً مراعي فيه التقدير والتسوية، فقدّره وهيأه لما يصلح له، مثاله: أنه خلق الإنسان على هذا الشكل المقدّر المسوّى الذي تراه، فقدّره للتكاليف والمصالح المنوطة به في بابي الدين والدنيا، وكذلك كل حيوان وجماد جاء به على الجبلة المستوية المقدّرة بأمثلة الحكمة والتدبير، فقدّره لأمر مّا ومصلحة مطابقاً لما قدر له غير متجاف عنه، أو سمي إحداث الله خلقاً لأنه لا يحدث شيئاً لحكمته إلاّ على وجه التقدير من غير تفاوت، فإذا قيل: خلق الله كذا فهو بمنزلة قولك: أحدث وأوجد من غير نظر إلى وجه الاشتقاق، فكأنه قيل: وأوجد كل شيء فقدّره في إيجاده لم يوجده متفاوتاً. وقيل: فجعل له غاية ومنتهى. ومعناه: فقدّره للبقاء إلى أمد معلوم.

.تفسير الآية رقم (3):

{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3)}
الخلق بمعنى الافتعال، كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله أوثانا وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً} [العنكبوت: 17] والمعنى: أنهم آثروا على عبادة الله سبحانه عبادة آلهة لا عجز أبين من عجزهم، لا يقدرون على شيء من أفعال الله ولا من أفعال العباد، حيث لا يفتعلون شيئاً وهم يفتعلون، لأن عبدتهم يصنعونهم بالنحث والتصوير، {وَلاَ يَمْلِكُونَ} أي: لا يستطيعون لأنفسهم دفع ضرر عنها أو جلب نفع إليها وهم يستطيعون، وإذا عجزوا عن الافتعال ودفع الضرر وجلب النفع التي يقدر عليها العباد كانوا عن الموت والحياة والنشور التي لا يقدر عليها إلاّ الله أعجز.

.تفسير الآية رقم (4):

{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4)}
{قَوْمٌ ءاخَرُونَ} قيل: هم اليهود. وقيل: عداس مولى حويطب بن عبد العزى، ويسار مولى العلاء بن الحضرمي، وأبو فكيهة الرومي: قال ذلك النضر بن الحرث بن عبد الدار. (جاء) و (أتى) يستعملان في معنى فعل، فيعديان تعديته، وقد يكون على معنى: وردوا ظلماً، كما تقول: جئت المكان. ويجوز أن يحذف الجار ويوصل الفعل. وظلمهم: أن جعلوا العربي يتلقن من العجمي الرومي كلاماً عربياً أعجز بفصاحته جميع فصحاء العرب. والزور: أن بهتوه بنسبة ما هو بريء منه إليه.

.تفسير الآية رقم (5):

{وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (5)}
{أساطير الاولين} ما سطَّره المتقدمون من نحو أحاديث رستم واسفنديار، جمع: أسطار أو أسطورة كأحدوثة {اكتتبها} كتبها لنفسه وأخذها، كما تقول: استكب الماء واصطبه: إذا سكبه وصبه لنفسه وأخذه. وقرئ: {اكتُتبها} على البناء للمفعول. والمعنى: اكتتبها كاتب له، لأنه كان أمّياً لا يكتب بيده، وذلك من تمام إعجازه، ثم حذفت اللام فأفضى الفعل إلى الضمير فصار اكتتبها إياه كاتب، كقوله: {واختار موسى قَوْمَهُ} [الأعراف: 155] ثم بنى الفعل للضمير الذي هو إياه فانقلب مرفوعاً مستتراً بعد أن كان بارزاً منصوباً، وبقي ضمير الأساطير على حاله، فصار {اكتتبها} كما ترى.
فإن قلت: كيف قيل: اكتتبها {فَهِىَ تملى عَلَيْهِ} وإنما يقال: أمليت عليه فهو يكتتبها؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أراد اكتتابها أو طلبه فهي تملى عليه. أو كتبت له وهو أمّي فهي تملى عليه: أي تلقى عليه من كتابه يتحفظها: لأنّ صورة الإلقاء على الحافظ كصورة الإلقاء على الكاتب.
وعن الحسن: أنه قول الله سبحانه يكذبهم وإنما يستقيم أن لو فتحت الهمزة للاستفهام الذي في معنى الإنكار. ووجهه أن يكون نحو قوله:
أَفْرَحُ أَنْ أُرْزَأَ الْكِرَامَ وَأَن ** أُورَثَ ذَوْداً شَصَائِصَاً نَبَلاَ

وحق الحسن أن يقف على الأولين، {بُكْرَةً وَأَصِيلاً} أي دائماً، أو في الخفية قبل أن ينتشر الناس، وحين يأوون إلى مساكنهم.

.تفسير الآية رقم (6):

{قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (6)}
أي يعلم كل سرّ خفيّ في السموات والأرض، ومن جملته ما تسرونه أنتم من الكيد لرسوله صلى الله عليه وسلم مع علمكم أنّ ما تقولونه باطل وزور، وكذلك باطن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وبراءته مما تبهتونه به، وهو يجازيكم ويجازيه على ما علم منكم وعلم منه.
فإن قلت: كيف طابق قوله: {إِنَّهُ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً} هذا المعنى؟ قلت: لما كان ما تقدّمه في معنى الوعيد عقبه بما يدل على القدرة عليه، لأنه لا يوصف بالمغفرة والرحمة إلاّ القادر على العقوبة، أو هو تنبيه على أنهم استوجبوا بمكابرتهم هذه أن يصب عليهم العذاب صبّاً، ولكن صرف ذلك عنهم إنه غفور رحيم: يمهل ولا يعاجل.

.تفسير الآيات (7- 8):

{وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا (7) أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (8)}
وقعت اللام في المصحف مفصولة عن هذا خارجة عن أوضاع الخط العربي، وخط المصحف سنة لا تغير. وفي هذا استهانة وتصغير لشأنه وتسميته بالرسول سخرية منهم وطنز، كأنهم قالوا: ما لهذا الزاعم أنه رسول. ونحوه قول فرعون {إِنَّ رَسُولَكُمُ الذى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} [الشعراء: 27] أي: إن صحّ أنه رسول الله فما باله حاله مثل حالنا {يَأْكُلُ الطعام} كما نأكل؛ ويتردد في الأسواق لطلب المعاش كما نتردد، يعنون أنه كان يجب أن يكون ملكاً مستغنياً عن الأكل والتعيش. ثم نزلوا عن اقتراحهم أن يكون ملكاً إلى اقتراح أن يكون إنساناً معه ملك، حتى يتساندا في الإنذار والتخويف، ثم نزلوا أيضاً فقالوا: وإن لم يكن مرفوداً بملك فليكن مرفوداً بكنز يلقى إليه من السماء يستظهر به ولا يحتاج إلى تحصيل المعاش. ثم نزلوا فاقتنعوا بأن يكون رجلاً له بستان يأكل منه ويرتزق كما الدهاقين والمياسير، أو يأكلون هم من ذلك البستان فينتفعون به في دنياهم ومعاشهم. وأراد بالظالمين: إياهم بأعيانهم: وضع الظاهر موضع المضمر ليسجل عليهم بالظلم فيما قالوا: وقرئ: {فيكون} بالرفع، أو يكون له جنة، بالياء، ونأكل، بالنون.
فإن قلت: ما وجها الرفع والنصب في فيكون؟ قلت: النصب لأنه جواب (لولا) بمعنى (هلا) وحكمه حكم الاستفهام. والرفع على أنه معطوف على أنزل، ومحله الرفع، ألا تراك تقول: لولا ينزل بالرفع، وقد عطف عليه: يلقى، وتكون مرفوعين، ولا يجوز النصب فيهما لأنهما في حكم الواقع بعد لولا، ولا يكون إلاّ مرفوعاً. والقائلون هم كفار قريش النضر بن الحرث، وعبد الله بن أبي أمية، ونوفل بن خويلد ومن ضامهم {مَّسْحُورًا} سحر فغلب على عقله. أو ذا سحر، وهو الرئة: عنوا أنه بشر لا ملك.

.تفسير الآية رقم (9):

{انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (9)}
{ضَرَبُواْ لَكَ الامثال} أي: قالوا فيك تلك الأقوال واخترعوا لك تلك الصفات والأحوال النادرة. من نبوّة مشتركة بين إنسان وملك. وإلقاء كنز عليك من السماء وغير ذلك، فبقوا متحيرين ضلالاً، لا يجدون قولاً يستقرّون عليه. أو فضلوا عن الحق فلا يجدون طريقاً إليه.

.تفسير الآية رقم (10):

{تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُورًا (10)}
تكاثر خير {الذى إِن شَاءَ} وهب لك في الدنيا {خَيْرًا} مما قالوا، وهو أن يعجل لك مثل ما وعدك في الآخرة من الجنات والقصور. وقرئ: {ويجعل} بالرفع عطفاً على جعل؛ لأن الشرط إذا وقع ماضياً، جاز في جزائه الجزم، والرفع، كقوله:
وَإنْ أَتَاهُ خَلِيلٌ يَوْمَ مَسْئَلَةٍ ** يَقُولُ لاَ غَائِبٌ مَالِي وَلاَ حَرِمُ

ويجوز في {وَيَجْعَل لَّكَ} إذا أدغمت: أن تكون اللام في تقدير الجزم والرفع جميعاً. وقرئ بالنصب، على أنه جواب الشرط بالواو.

.تفسير الآيات (11- 14):

{بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11) إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا (12) وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا (13) لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا (14)}
{بَلْ كَذَّبُواْ} عطف على ما حكي عنهم: يقول: بل أتوا بأعجب من ذلك كله وهو تكذيبهم بالساعة. ويجوز أن يتصل بما يليه، كأنه قال: بل كذبوا بالساعة، فكيف يلتفتون إلى هذا الجواب، وكيف يصدقون بتعجيل مثل ما وعدك في الآخرة وهم لا يؤمنون بالآخرة. السعير: النار الشديدة الاستعار.
وعن الحسن رضي الله عنه: أنه اسم من أسماء جهنم {رَأَتْهُمْ} من قولهم: دورهم تترا، أي: وتتناظر. ومن قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تراءى ناراهُمَا» كأن بعضها يرى بعضاً على سبيل المجاز. والمعنى: إذا كانت منهم بمرأى الناظر في البعد سمعوا صوت غليانها. وشبه ذلك بصوت المتغيظ والزافر. ويجوز أن يراد: إذا رأتهم زبانيتها تغيظوا وزفروا غضباً على الكفار وشهوة للانتقام منهم. الكرب مع الضيق، كما أن الروح مع السعة، ولذلك وصف الله الجنة بأن عرضها السموات والأرض. وجاء في الأحاديث: أن لكل مؤمن من القصور والجنان كذا وكذا. ولقد جمع الله على أهل النار أنواع التضييق والإرهاق، حيث ألقاهم في مكان ضيق يتراصون فيه تراصاً، كما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيره أنه يضيق عليهم كما يضيق الزج في الرمح، وهم مع ذلك الضيق مسلسلون مقرنون في السلاسل، قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الجوامع. وقيل: يقرن مع كل كافر شيطانه في سلسلة وفي أرجلهم الأصفاد. والثبور: الهلاك، ودعاؤه أن يقال: واثبوراه، أي: تعال يا ثبور فهذا حينك وزمانك {لاَّ تَدْعُواْ} أي يقال لهم ذلك: أو هم أحقاء بأن يقال لهم، وإن لم يكن ثمة قول ومعنى {وادعوا ثُبُوراً كَثِيراً} أنكم وقعتم فيما ليس ثبوركم فيه واحداً، إنما هو ثبور كثير إما لأن العذاب أنواع وألوان كل نوع منها ثبور لشدّته وفظاعته، أو لأنهم كلما نضجت جلودهم بدلوا غيرها، فلا غاية لهلاكهم.

.تفسير الآيات (15- 16):

{قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيرًا (15) لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْئُولًا (16)}
الراجح إلى الموصولين محذوف، يعني: وعدها المتقون وما يشاؤونه. وإنما قيل: كانت، لأن ما وعده الله وحده فهو في تحققه كأنه قد كان. أو كان مكتوباً في اللوح قبل أن برأهم بأزمنة متطاولة: أن الجنة جزاؤهم ومصيرهم.
فإن قلت: ما معنى قوله: {كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءً وَمَصِيراً}؟ قلت: هو كقوله: {نِعْمَ الثواب وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً} [الكهف: 31] فمدح الثواب ومكانه، كما قال: {بِئْسَ الشراب وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا} [الكهف: 29] قدّم العقاب ومكانه لأنّ النعيم لا يتمّ للمتنعم إلاّ بطيب المكان وسعته وموافقته للمراد والشهوة، وأن لا تنغص، وكذلك العقاب يتضاعف بغثاثة الموضع وضيقه وظلمته وجمعه لأسباب الاجتواء والكراهة، فلذلك ذكر المصير مع ذكر الجزاء. والضمير في {كَانَ} لما يشاؤون. والوعد: الموعود، أي: كان ذلك موعوداً واجباً على ربك إنجازه، حقيقاً أن يسئل ويطلب، لأنه جزاء وأجر مستحق. وقيل: قد سأله الناس والملائكة في دعواتهم: {رَبَّنَا وَءاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا على رُسُلِكَ} [آل عمران: 194]، {رَبَّنَا ءاتِنَا فِي الدنيا حَسَنَةً وَفِي الاخرة حَسَنَةً} [البقرة: 201]، {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جنات عَدْنٍ التى وَعَدْتَّهُمْ} [غافر: 8].